سورة التغابن - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التغابن)


        


{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)}
{والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا أُولَئِكَ أصحاب النار خالدين فِيهَا وَبِئْسَ المصير} أي النار، وكأن هذه الآية والتي قبلها لاحتوائهما على منازل السعداء والأشقياء بيان للتغابن على تفسيره بتغابن الفريقين على التقابل ولما فيه من التفصيل نزل منزلة المغاير فعطف بالواو وكذا على الإطلاق لكنه عليه بيان في الجملة.


{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)}
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ} أي ما أصاب أحدًا مصيبة على أن المفعول محذوف، و{مِنْ} زائدة، و{مُّصِيبَةٍ} فاعل، وعدم إلحاق التاء في مثل ذلك فصيح لكن الإلحاق أكثر كقوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} [الحجر: 5] {وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ} [الأنعام: 4] والمراد بالمصيبة الرزية وما يسوء العبد في نفس. أو مال. أو ولد. أو قول. أو فعل أي ما أصاب أحدًا من رزايا الدنيا أي رزية كانت {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي بإرادته سبحانه وتمكينه عز وجل كأن الرزية بذاتها متوجهة إلى العبد متوقفة على إرادته تعالى وتمكينه جل وعلا، وجوز أن يراد بالمصيبة الحادثة من شر أو خير، وقد نصوا على أنها تستعمل فيما يصيب العبد من الخير وفيما يصيبه من الشر لكن قيل: إنها في الأول: من الصوب أي المطر، وفي الثاني: من إصابة السهم، والأول هو الظاهر، وإن كان الحكم بالتوقف على الإذن عامًا.
{وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ} عند إصابتها للصبر والاسترجاع على ما قيل، وعن علقمة للعلم بأنها من عند الله تعالى فيسلم لأمر الله تعالى ويرضى بها، وعن ابن مسعود قريب منه، وقال ابن عباس: {يَهْدِ قَلْبَهُ} لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وقيل: {يَهْدِ قَلْبَهُ} أي يلطف به ويشرحه لازدياد الخير والطاعة، وقرأ ابن جبير. وطلحة. وابن هرمز. والأزرق عن حمزة نهد بنون العظمة.
وقرأ السلمي. والضحاك. وأبو جعفر {يَهْدِ} بالياء مبنيًا للمفعول {قَلْبَهُ} بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرئ كذلك لكن بنصب {قَلْبَهُ}، وخرج على أن نائب الفاعل ضمير {مِنْ} و{قَلْبَهُ} منصوب بنزع الخافض أي يهد في قلبه، أو يهد إلى قلبه على معنى أن الكافر ضال عن قلبه بعيد منه، والمؤمن واجد له مهتد إليه كقوله تعالى: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] فالكلام من الحذف والإيصال نحو {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6]، وفيه جعل القلب نزلة المقصد فمن ضل فقد منع منه ومن وصل فقد هدي إليه، وجوز أن يكون نصبه على التمييز بناءًا على أنه يجوز تعريفه.
وقرأ عكرمة. وعمرو بن دينار. ومالك بن دينار يهدأ بهمزة ساكنة {قَلْبَهُ} بالرفع أي يطمئن قلبه ويسكن الإيمان ولا يكون فيه قلق واضطارب، وقرأ عمرو بن قايد يهدا بألف بدلًا من الهمزة الساكنة، وعكرمة. ومالك بن دينار أيضًا {يَهْدِ} بحذف الألف بعد إبدالها من الهمزة، وإبدال الهمزة في مثل ذلك ليس بقياس على ما قال أبو حيان، وأجاز ذلك بعضهم قياسًا، وبني عليه جواز حذف تلك الألف للجازم، وخرج عليه قول زهير بن أبي سلمى:
جرى متى يظلم يعاقب بظلمه *** سريعًا وأن لا يبد بالظلم يظلم
أصله يبدأ فأبدلت الهمزة ألفًا ثم حذفت للجازم تشبيهًا بألف يخشى إذا دخل عليه الجازم، وقوله تعالى: {والله بِكُلّ شَيْء} من الأشياء التي من جملتها القلوب وأحوالها {عَلِيمٌ} فيعلم إيمان المؤمن ويهدي قلبه عند إصابة المصيبة؛ فالجملة متعلقة بقوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن} الخ، وجوز أن تكون متعلقة بقوله سبحانه: {مَا أَصَابَ} إلخ على أنها تذييل له للتقرير والتأكيد، وذكر الطيبي أن في كلام الكشاف رمزًا إلى أن في الآية حذفًا أي فمن لم يؤمن لم يلطف به أو لم يهد قلبه، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، وبنى عليه أن المصيبة تشمل الكفر والمعاصي أيضًا لورودها عقيب جزاء المؤمن والكافر وإردافها بالأمر الآتي. وأي مصيبة أعظم منهما؟ وهو كما أشار إليه يدفع في نحر المعتزلة.


{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)}
{وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} كرر الأمر للتأكيد والإيذان بالفرق بين الإطاعتين في الكيفية، وتوضيح مورد التولي في قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي عن إطاعة الرسول، وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} تعليل للجواب المحذوف أقيم مقامه أي فلا بأس عليه إذ ما عليه إلا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه، وإظهار الرسول مضافًا إلى نون العظمة في مقام إضماره لتشريفه عليه الصلاة والسلام، والإشعار دار الحكم الذي هو كون وظيفته صلى الله عليه وسلم محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولي عنه، والحصر في الكلام إضافي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6